الجن كمخلوقات خفية وغامضة من خارج عالمنا هذا لا تقتصر على الثقافة الإسلامية المعاصرة وإنما تكاد تكون معروفة في جميع الحضارات. كل بقعة من بقاع الأرض تضم الآن ثقافات متعددة تشترك جميعها باحتوائها على مفهوم الأشباح وفي الثقافة الإسلامية يستعمل مصطلح الجن للتعبير عن الأشباح وكثر من استعماله العرب وغير العرب من المسلمين على حد سواء. مصطلح ومفهوم الجن والأشباح له تاريخه في الصحة النفسية ولكن موقعه بدأ يتلاشى تدريجياً مع تقدم العلم وتطور الثقافات البشرية. لا يوجد طبيب نفسي يشخص حالة استيطان الجن لمريض الآن ولا أحد منهم يؤمن بأن للجن علاقة بالاضطرابات النفسية. ولو تحدث بهذا الأمر فإنه قد يفقد رخصته للممارسة الطبية والغالبية العظمى من البشر ستبتعد عنه. ولكن هناك من الذي يطلقون على أنفسهم لقب معالج خبير بالعلاج البديل Alternative Therapy ومنهم من يدعي بأنه خبير في علاج استيطان الجن للإنسان. ليس من الإنصاف استعمال مصطلح دجال على هؤلاء لأول وهلة والكثير منهم يتحدث عن قناعة عالية. يتم الاستعانة بهؤلاء الخبراء في علاج الجن من قبل الأقلية الإسلامية في المملكة المتحدة ومن الأفضل إلقاء نظرة على هذا الجانب الثقافي من خلال حديث لخبيرة في علاج استيطان الجن للإنسان.
السيدة ياسمين إسحاق (1)تعمل بالتعليم وتمارس العلاج النفسي الخاص بالجن. تصف السيدة ياسمين الجن بأنها مخلوقات ذكية جداً كانت موجودة على الأرض قبل البشر. لا يقوى البشر على مقاومتهم لأن قدراتهم خارقة. يتم تصنيفهم إلى جن جيد وجن شرير ولكن نسبة الأشرار عالية. يولد الإنسان ويوم ولادته يظهر قرينه من الجن ولا يفارق هذا القرين الإنسان طوال عمره. الجن يمتلك القدرة على الاتصال بالبشر وتدعي السيدة ياسمين بأنها شاهدت الجن في كشمير يوم وفاة جدها وكان عمرها يومئذ 16 عاماً. تضيف السيدة ياسمين بأن الجن يمتلك القدرة على التدخل في حياة الإنسان وهناك من الأزمات سببها الجن وأخرى من فعل الإنسان نفسه. من أبشع ما يفعله الجن هو استيطانه للإنسان والعمل على تغييره تدريجيا حتى يصل به الأمر إلى الكلام بلكنة غريبة وبالتالي عدم القدرة على الكلام. تقول السيدة ياسمين بأن الفصل بين الاضطراب النفسي الذي يحتاج إلى رعاية طبية والاضطراب الناتج من الجن يتم عن طريق تلاوة القرآن الكريم. يؤدي ذلك إلى حدوث رد فعل عنيف إذا كان الجن سبب الداء. لم تشر السيدة ياسمين إن كانت طريقة التشخيص والعلاج تتم عن طريق تلاوة القرآن الكريم أو بصورة أخرى.
ما هو حقيقة موقف القرآن الكريم من الجن؟ السورة 72 (مكية وآياتها ثمان وعشرون) تبدأ بقوله تعالى:"قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا" (سورة الجن الأية 1) إلى الرسول الكريم عليه وآله الصلاة والسلام بأنه أوحي إليك بأن نفرا من الجن استمع إلى القرآن الكريم. لا يوجد أي دليل في القرآن الكريم يقول بالعبارة أو الإشارة أن إنساناً رأى الجن، بل هذه الآية الكريمة تشير بصراحة إلى أن النبي ما رأى الجن ولا عرف أن نفراً منهم يستعمون إليه إلا بوحي من الله. قال الإمام الشافعي رحمه الله: من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته. مقولة لا تسمعها كثيراً. وأما الآية الثانية: "يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا" (سورة الجن الأية 2)من السورة فهي تشير إلى الهداية إلى الحق والعدل والسلام والحرية، إلى حياة لا جور فيها ولا جهل ولا فقر. هذا هو الرشد ولا عظيم إلا الله عز وجل ولا مكان في الحضارات لدكتاتور وزعيم أوحد. أما الآية السادسة: "وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا" (سورة الجن الأية 6) فهي التي توضح بصورة واضحة موقف الإسلام من الجن. تتحدث الآية الكريمة عن رجال الإنس الجهلة البسطاء أما رجال الجن فهم المشعوذون الدجالون الذي يزعمون أنهم يسخرون الجن فيما يريدون، والمعنى أن السذج من الناس كانوا يستجيرون بالدجالين ليدفعوا غائلة الجن عنهم أو التنبؤ بما سيحدث لهم. وما هي النتيجة؟ القرآن الكريم يقول بكل صراحة فزادوهم رهقا وقيل رهقه الأمر غشية يقهر. وفسر الرهق باللثم، والطغيان، والخوف، وبالشر، وبالذلة والضعف، وهي تفاسير تلازم المعنى. ما على القارئ إلا أن يستنتج بأن اللجوء إلى الجن والحديث عنهم في الواقع والخيال يؤدي إلى الإثم وطغيان الإنسان على الآخرين واستغلال المستضعفين. وليس هناك من يرهق البسطاء من الناس بمفهوم الجن غير من يتحدث به والطب النفسي متهم بهذا. لكن الجميع يحتج بالقرآن الكريم بذكره للجن والحقيقة بأن الكتاب العظيم لا يقول بأن لكل إنسان قرينا من الجن ولا يستوطن البشر ولا يسبب اضطرابات نفسية. هناك إشارة إلى الجن في سور كريمة أخرى في الحجر (27) : "وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ، الذاريات (56)، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ، الأحقاف(29): وإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ، الكهف 50: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا و الأعراف(38) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ". لا تشير جميع هذه الآيات الكريمة أن الجن أقوى من البشر ويتدخل في أمور حياتهم ولا يخبرنا القرآن الكريم عن مصيرهم ولم يطلب منا البحث عنهم. أما ما تورده بعض المصادر عن علاقة الصرع والجنون بالجن في الحديث النبوي الشريف فعددها لا يتجاوز عدد أصابع اليد وأسانيدها ضعيفة. لكن المصادر الإسلامية تعاني من مشكلة أزلية فهي تقر بضعف الحديث ولكنها تصر أيضاً على أن معناه صحيحا مما يتخالف مع قواعد البحث العلمي والأدبي السليم. فعلى سبيل المثال هذا الحديث: عن ابن عباس – رضي الله عنه –: أن امرأة جاءت بابن لها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا به جنون، وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيفسد علينا، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له، فتع تعة، فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود فشفي. أخرج هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده والدرامي في سننه والطبراني في الكبير وغيرهم. رغم الإشارة إلى ضعف الحديث منذ مئات السنين ولكن إلى اليوم ترى كثيرين يتحدثون به ويقولون به رغم ضعفه لأن معناه صحيح!.
الروايات والقصص عن الجن في العالم الإسلامي متعددة ومعظمها تتميز بسخافتها وتتناسب طرديا مع التطور الحضاري والفكري للمجموعة السكانية وخاصة في باكستان وأفغانستان وأوغندا(3) و في الصومال وعلى سبيل المثال هناك مناطق خاصة وعرة أشبه بمعابد تتوجه إليها النساء للاستعانة بالجن لمنع زوجها من نكاح امرأة أخرى. هناك أسطورة عن أحمد شاه مسعود قائد التحالف الشمالي في أفغانستان أيام الحرب السوفيتية الأفغانية عن تجنيده للمسلمين من الجن. أما أكثر القصص التي تثير الأسى فهي ما تطرقت إليه الصحافة العالمية في آب عام 2006 إذ انتشرت شائعة في مقاطعة كيكاندوة الأوغندية بأن نفرا من الجن يتصيد النساء ويغتصبهن. حدث وأن شاهد السكان امرأة تائهة وفي حالة يرثى لها واستنتجوا بأنها من أعوان الجن وانهالوا عليها ضرباً بالحجارة. وصل رجال الشرطة الأشاوس وأنهوا جهاد الجهلاء وقتلوا المرأة بستة رصاصات. تم التحقيق بهذه القضية من قبل السلطات وتبين بأنها امرأة من قرية أخرى تبحث عن زوجها الذي اختفى بدون سبب وكانت مرهقة من الجوع والعطش. الأساطير كذلك تشير إلى أن معاشرة النساء وقت الحيض تؤدي إلى حمل طفل من الجن. ولكن هناك البعض من رجال الدين السفهاء ممن يقرون بشرعية زواج المرأة من الجن ووراثة الناس للجن وبالعكس.
معظم الدراسات العلمية والميدانية(4) في هذا الحقل تتطرق إلى انتشار ظاهرة الجن والإيمان بها ضمن المجموعات الإسلامية في الغرب والشرق على حد سواء. الشرائح المستعملة في هذه الدراسات شرائح سهلة الانتقاء وغير عشوائية وبالتالي لا يمكن وصفها ببحوث قوية حاسمة. رغم ذلك فإن الدراسات (2) تشير إلى أن ما يقارب 75% من المسلمين يؤمنون بالجن وأكثر من 50% يقبلون فرضية استيطان الجن للبشر ودفعه نحو الانهيار المعنوي والنفسي وضرورة الاستعانة برجال الدين للشفاء من الجن. كذلك تشير الدراسات إلى أن ظاهرة الجن تتقبلها المرأة أكثر من الرجل. يظهر مصطلح الجن في الممارسة المهنية كالاتي: